تمتاز جهة كلميم واد نون بتاريخ عريق يرتبط بموقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي جعلها عبر العصور ملتقى للحضارات ومركزًا للتبادل التجاري والثقافي بين شمال المغرب وجنوبه. عبر القرون، كانت المنطقة محطة رئيسية للقوافل التجارية التي تربط المغرب بعمق إفريقيا، وازدهرت بفضل هذا الدور كحلقة وصل بين حضارات المغرب الكبير وإفريقيا جنوب الصحراء.
التجارة بمنطقة وادي نون :
عرفت منطقة وادي نون عبر تاريخها، منذ الفتح الإسلامي، طفرة كبيرة في الرواج التجاري عبر الضفاف الشمالية والجنوبية لغرب الصحراء بشكل خاص والصحراء الكبرى بشكل عام. ونسجت المنطقة علاقات تجارية وطيدة مع السودان الغربي، مستفيدة من الثروات البشرية والمعدنية والحيوانية والنباتية التي كانت تزخر بها، مثل الذهب، الملح، العاج، ريش النعام، والصمغ العربي. كما ارتبطت هذه العلاقات مع الأنظمة السياسية التي قامت في المنطقة، والتي جعلت من أولوياتها الحفاظ على الرواج التجاري في غرب الصحراء وحماية مصادره في السودان الغربي، من خلال مراقبة الطرق التجارية القادمة من وادي نون والمؤدية إليه. وقد كانت هذه العلاقة الوثيقة بين مداخيل التجارة الصحراوية واستمرار الأنظمة السياسية في المنطقة منذ قيام الدولة المرابطية وحتى حدود الدولة العلوية.
إن الحديث عن التجارة في منطقة وادي نون يستدعي استحضار الدور الذي لعبته مدن المنطقة في هذا المجال، ونخص بالذكر مدينة نول لمطة التي ظهرت في القرن الخامس الهجري/11م مع المرابطين، ثم مدينة تكاوست التي بدأت تبرز على الساحة منذ القرن السابع الهجري/13م، وأخيراً مدينة كلميم التي أخذت المشعل وبدأت تبرز أهميتها التجارية منذ القرن الثامن عشر، وخصوصاً في القرن التاسع عشر. من أبرز سمات هذه المدن أنها “كانت عبارة عن محطات طرقية باتجاه إفريقيا جنوب الصحراء، حيث انسابت القوافل الصحراوية عبرها من وإلى ما وراء الصحراء حاملة البضائع والأفكار”. كما أن مدن المنطقة لعبت دوراً ريادياً في جعل تجارة الصحراء رافداً مهماً من روافد تجارة البحر المتوسط في العصر الوسيط، وموانئ المحيط الأطلنتي في الفترتين الحديثة والمعاصرة، مغذيةً في الوقت نفسه أهم العواصم الوطنية الكبرى مثل مراكش وفاس وغيرها. وقد ارتبطت المنطقة مع باقي مدن غرب الصحراء والسودان الغربي بمجموعة من الطرق التجارية التي تأثرت بالمتغيرات الاقتصادية، القبلية، الدينية، الثقافية، والسياسية.
كما شكل سوق أمحيريش بمدينة كلميم، منذ أزيد من ثلاثة قرون، مركزاً اقتصادياً مهما وفضاء تجارياً معروفا على الصعيد الوطني والدولي، ويمتد على مساحة تقدر بأكثر من ثلاثة هكتارات.
ويشهد هذا السوق، الذي يُعد من أشهر أسواق الإبل في المغرب، نشاطا تجاريا تعرض فيه العشرات من رؤوس الإبل والماشية بمختلف أصنافها، إضافة إلى فضاء حديث لبيع الفواكه والخضروات والحبوب وغيرها.
موروث ثقافي غني ومتنوع :
بفضل تموقع الجهة، يشهد مجالها الترابي تبادلا حيويا للثقافات والحضارات عبر العصور. وتظل القلاع والأثار التاريخية شاهدة على هذا التاريخ العظيم، ومعبرة عن تراث غني ومتنوع يروي تاريخ الجهة.
كما تتميز الجهة بتراث ثقافي غني ومتنوع يشمل العديد من القبائل الأمازيغية والعربية والصحراوية. فقد مزجت الجهة موروثها المتنوع الغني بالعادات والتقاليد، وشكلت لوحة ثقافية متنوعة، تتجلى في العــادات والتقاليــد المحليــة، و فــن الصناعــة التقليديــة، والتراث إضافــة إلــى الشــعر الحســاني وفنــون الطبــخ وتقاليــد اللبــاس. وتعد هذه العناصر جزءًا لا يتجزأ من الهوية الفريدة للجهة، مما يجعلها وجهة استثنائية تستحق الاكتشاف والزيارة.